
الجزائر- أشرف وزير الدولة, وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية, السيد أحمد عطاف, اليوم الأربعاء, بمقر الوزارة على مراسم الاحتفال باليوم الوطني للدبلوماسية الجزائرية المتزامن هذا العام مع الذكرى ال80 لتأسيس هيئة الأمم المتحدة.
وبالمناسبة ألقى الوزير عطاف كلمة هذا نصها:
"أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم في مقر وزارة الشؤون الخارجية، وشكراَ لكم جميعاً على تلبيةِ دعوتِنا لِمُشاركَتِنَا فعالياتِ هذا الملتقى المُبارك.
ويشرفني في هذا المَقام أن أنقل إليكم تهاني وتبريكات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بمناسبة هذه الاحتفالية المزدوجة: احتفاليةُ يوم الدبلوماسية الجزائرية، واحتفاليةُ الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة.
د يتساءل سائل من هذا الجمع الكريم عن السر الكامنِ وراء قرار الربط بين هاتين الاحتفاليتين، لاسيما وأَنَّ إِحْدَاهُمَا وطنية تَحملُ فخرَ الجزائر بدبلوماسيتِها، وأن الأخرى دُوَلِيَّة تُجَسِّدُ فخرَ الإنسانيةِ بمنظمتِها الأممية.
إن الإجابةَ عن مِثْلِ هذا التساؤل المشروع تَفْرِضُ علينا استحضارَ جُملةٍ من الاعتبارات الموضوعية والجوهرية التي تقترنُ كُلُّها بالعلاقةِ المتجذرة، والعلاقةِ المتميزة، والعلاقةِ الخاصة بين الجزائر ومنظمة الأمم المتحدة.
- فالعلاقةُ بين الجزائر ومنظمةِ الأمم المتحدة هي أولاً علاقةٌ متجذرة، تستمدُ جُذورَها من احتضانِ هذه المنظمة للقضية التَّحَرُّرِيَّة الجزائرية وتسجيلِها على جدول أعمال جمعيتِها العامة يوم 30 سبتمبر سنة 1955 كَأَوَّلِ قضيةٍ لتصفيةِ الاستعمار.
وبالفعل، كانت القضيةُ التحرريةُ الجزائرية أَوَّلَ قضيةِ تصفيةِ استعمارٍ يَتِمُّ إدراجُها بصفةٍ مباشرة على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد كانت هذه الخطوة تُمثل حينذاك سابقةً إجرائيةً وقانونية بأتم معنى الكلمة.
ونحن نعيشُ في أيامنا هذه على نفحات الذكرى السبعين لهذا المَعْلَمِ التاريخي، موازاةً مع الذكرى الثمانين لميلاد منظمة الأمم المتحدة، فإننا كجزائريين لا ننسى !
لا ننسى فَضْلَ الدول الشقيقة والصديقة الثلاثِ عشر (13) التي بادرت في أعقاب مؤتمر باندونغ بتقديم طلب تسجيل قضيتِنا على جدول أعمال الجمعية العامة.
لا ننسى فَضْلَ المملكة العربية السعودية، ومصر، ولبنان، والعراق، وسوريا، واليمن، وإيران، وأندونيسيا، والهند، وباكستان، وأفغانستان، وتايلاندا، وميانمار (بورما سابقاً)، وهي الدول التي وقع ممثلوها لدى الأمم المتحدة بنيويورك على أول رسالةٍ رسمية تُطالبُ بإدراج القضية التحررية الجزائرية على جدول أعمال الجمعية العامة.
إن تاريخَ أُمَّتِنَا وذاكِرَتَنا الوطنية الجماعية يحتفظان في أشرقِ وألمعِ صفحاتِهِما بأسماءِ هذه الدول التي وَجَدَ فيها استقلالُ الجزائر أَوَّلَ وَأَقْوَى وَأَنْبَلَ سَنَدْ.
- والعلاقةُ بين الجزائر ومنظمةِ الأمم المتحدة هي ثانياً علاقةٌ متميزة، تستمدُ تَمَيُّزَهَا من الإسهام الذي قدمته القضية التحررية الجزائرية في صَقْلِ وترسيخِ مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها على المستوى الأممي. ولمن يتذكر، فإن هذا الإسهام يتجلى في اللائحة التاريخية رقم 1514 للجمعية العامة والمتضمنة "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المُسْتَعْمَرَة"(la résolution 1514 de l’Assemblée Générale portant déclaration sur l’octroi de l’indépendance aux pays et aux peuples coloniaux).
وهي اللائحة التي تم اعتمادها يوم 14 ديسمبر 1960، أي ثلاثةَ أيامٍ فقط بعد المظاهرات العارمة التي عرفتها الجزائر في 11 ديسمبر من ذات العام، والتي كانت بمثابة بدايةِ النهاية لاستعمارٍ قَلَّ نظيرُهُ في العالم، شكلاً وممارسةً، عدواناً واضطهاداً، ظُلماً وتجبراً.
كما أن الصدى الكبير الذي لاَقَتْهُ القضيةُ التحررية الجزائرية قد أدى لاحقاً، وبالضبط سنة 1961، إلى تأسيس اللجنة الخاصة لتصفية الاستعمار، أو ما يُعرف اختصاراً بلجنة الأربع والعشرين (le C-24)، وهي الهيئة التي أُوكِلَ لها، وإلى يومنا هذا، مُهِمَّةُ مُتابعةِ تنفيذِ اللائحة رقم 1514 وما تضمنته من "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المُسْتَعْمَرَة".
من خلال كُلِّ حَلَقَةٍ من هذه الحَلَقَاتِ التاريخية، يَتَجَسَّدُ التأثيرُ الساطعُ للثورةِ التحريرية الجزائرية، ليس فقط في نطاقِ انتمائها الإفريقي، وإنما في نطاقٍ أوسعَ من ذلك بكثير، ألا وهو نطاقُ الأمم المتحدة الذي أَثْرَتْ القضيةُ الجزائرية عقيدتَهُ ومراجِعَهُ وضوابطَهُ المُتصلةَ بتصفيةِ الاستعمار.
- والعلاقةُ بين الجزائر ومنظمةِ الأمم المتحدة هي ثالثاً وأخيراً علاقةٌ خاصة، تتجسدُ خصوصيتُها في الخيارِ الذي اتخذته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي بربطِ اليوم الوطني لدبلوماسيتِها بتاريخِ انضمامِها للمنظمة الأممية يوم الثامن أكتوبر سنة 1962. وبالتالي، فإن الحديثَ اليوم عن الذكرى الثمانين لتأسيس منظمتنا الأممية لا بد وأن يُحيلَنا إلى الذكرى الثالثة والستين (63) لانضمام الجزائر لهذا المحفل الأممي الذي أنصف حق الشعب الجزائري في تقريرِ مصيره، واستعادةِ استقلالِ بلاده، وفرضِ سيادتِهِ على أرضه.
تلكم هي أبرزُ المحطات التي تُفسر السر وراء العلاقة التي تجمع بين الجزائر ومنظمةِ الأمم المتحدة، وهي العلاقةُ التي صَقَلَتْ في ذات الحين هُوِّيَةَ السياسةِ الخارجية لبلادنا التي تقوم على التزامٍ راسخ بجميع المبادئ والقيم والمُثُل التي قامت عليها، ومن أجلها، وخِدمَةً لها، مُنظمتُنا الأممية هذه.
وفي كنف هذه العلاقةِ المتجذرة، والعلاقةِ المتميزة، والعلاقةِ الخاصة، راكمت الدبلوماسيةُ الجزائرية إرثاً تاريخياً مَشهوداً من النجاحاتِ التي ارتبطت بنجاحات الأمم المتحدة ذاتِها: سواءَ تعلق الأمرُ بقيادةِ المَدِّ التحرري في العالم، أو بِتَقَدُّمِ صفوفِ الساعين والعاملين من أجل قيام نظام دولي جديد، أو بالتَّجَنُّدِ الدائم للمساهمة في إطفاءِ فتيل الأزمات والنزاعات والصراعات.
واليوم، يَحُزُّ في أنفسنا، أكثرَ من غيرنا، ما تُوَاجِهُهُ منظمةُ الأمم المتحدة من مَصَاعِبَ عِظَامْ، وَتَحَدِّيَاتٍ جِسَامْ، أَخْفَتَتْ صوتَها، وَغَيَّبَتْ دَوْرَها، وَارْتَهَنَتْهَا لإراداتٍ وممارساتْ، لا تَمُتُّ بصلة للصالح العام الدولي وللمنفعة المشتركة للإنسانية جمعاء.
- يَحُزُّ في أنفسنا أن تُدَاسَ مبادئُ الميثاقِ الأممي، وهي التي وُضِعَتْ لتكونَ نبراسًا للعدالة والسلم بين الأمم،
ويَحُزُّ في أنفسنا أيضاً أن يُنْتَهَكَ القانونُ الدولي ويُقَلَّلَ من شأنه، وهو الذي وُضِعَ ليكونَ الضَّامِنَ الأسمى للتعايشِ السلمي المُتحضر والمُتمدن بين الأمم،
ويَحُزُّ في أنفسنا كذلك أن تَطْغَى الممارساتُ الأحادية والنَّزَعَاتُ الانطوائية على حساب التعاون والتكامل والعمل الدولي متعدد الأطراف.
إن الجزائر مِمَّنْ يُؤمنون أَنَّ حالةَ التِّيهِ والتَّيَهَان التي يَعِيشُها عَالَمُنَا اليوم، لا مَخْرَجَ منها إلا عبر إعادةِ الاعتبار لهذه المنارة الأممية:
فمنظمةُ الأمم المتحدة هي تاجُ الحضارة الإنسانية الذي بلغته البشرية بِشَقِّ الأنفسِ وبعد مَخَاضٍ طويلٍ من الصراعات والمعاناة على مرِّ العقود، والقرون، والألفيات.
ومنظمةُ الأمم المتحدة هي الوليدُ العسيرُ لحربَيْنِ عالميتين دَفَعَتْ فِيهِمَا البشريةُ أثماناً باهظة، وَقَدَّمَتْ فِيهِمَا من أرواحِ أبنائها عشراتِ الملايين، فِداءً لمأساةِ الإنسان حين ينسى أو يتناسى إنْسَانِيَّتَه.
ومنظمةُ الأمم المتحدة تظل من الجوانب السياسية والقانونية والأخلاقية، رِهاناً على الأفضل،رهانٌ على السيادةِ المتساوية للدول، ورهانٌ على نَبْذِ العدوان على الغير، ورهانٌ على تحريمِ الاستيلاءِ على أراضي الغير بالقوة، ورهانٌ على إعلاءِ حق الشعوب في تقرير مصيرها، ورهانٌ على حَلِّ الخلافات بالطرق السلمية، ورهانٌ على وَأْدِ الحروب بصفة نهائية، ورهانٌ على بناءِ نظامٍ دولي قِوامُهُ التعاونُ والتضامن في مواجهة المِحَنِ المُشتركة.
هذه هي القناعة التي تَشَبَّعَ بها وارتكزَ عليها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وهو يُحَدِّدُ التَّوَجُّهَاتِ الكبرى للسياسة الخارجية لبلادنا. فهذه التوجهات هي مَعَالِمٌ وَمَرَاجِعٌ وَدَوَافِعٌ بالنسبة للدبلوماسيةِ الجزائرية التي تعمل على ترجمتِها على مستوى جميعِ فضاءاتِ انتماءِ بلادِنا تحديداً، وعلى المستوى العالمي الشامل عموماً.
وهي ذاتُ التَّوَجُّهَاتِ التي تتجلى اليوم في إطار العهدة التي تضطلع بها الجزائر داخل مجلس الأمن الأممي كدولةٍ مُنْتَخَبَةٍ غَيْرِ دائمةِ العضوية، وكدولةٍ مُلْتَزِمَة، أَثْبَتَتْ قولاً وفعلاً أن مَوَاقِفَهَا لا تُمْلِيهَا المصالحُ الضيقة أو الحساباتُ الآنية، أو الاعتباراتُ الظرفية، بقدر ما تُمْلِيهَا مبادئُ الحق والقانون، الأصيلة والمتأصلة.
ونحن نقفُ اليوم على مشارف اختتام هذه العهدة، نَحْسَبُ، بكل إيمان وإخلاص، أننا لم نَدَّخِرْ جُهْداً في سبيل الوفاء بالأمانة التي كُلِّفْنَا بها من لدن الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وَمَبْعَثُ فخرنا في ذلك هو اعترافُ أغلبيةِ الدول الشقيقة والصديقة والشريكة:
بأن الجزائر كانت، وبحق، نَصِيرةً للحق في وجه إنكارِه، ونصيرةً للحرية في وجه الاضطهاد، ونصيرةً للعدل في وجه الظلم.
وبأن الجزائر امتثلت، وبصدق، لمبادئِ ومقاصدِ الميثاق الأممي،
وبأن الجزائر ساهمت، وبإخلاص، في دَفْعِ مجلسِ الأمن إلى تحمُّلِ مسؤولياتِهِ كاملةً، وهو يعاني ما يعانيه من التجاوزات والاستقطابات والانتكاساتِ المُنْتِجَةِ للشلل.
إن القناعة الراسخة في الحق والقانون لا تزيدها الدهور المتعاقبة إلا قوةً وصلابة. وهذا هو حالُ القناعةِ الجزائرية بحتميةِ إنصافِ الشعوبِ المضطهدة في فلسطين وفي الصحراء الغربية وتمكينِها من ممارسة حقوقِها غير القابلة للتصرف، وغير القابلة للتقادم، وغير القابلة للمساومة أو المقايضة.
منذ سبعٍ وثلاثين عاماً خلت، وَرَغْمَ الضغوطِ الدولية آنذاك، احتضنت الجزائر، بكل فخر، وبكل اعتزاز، وبكل نجاح، مؤتمرَ إعلانِ قيامِ الدولة الفلسطينية، ونالت مُذَّاك شَرَفَ شَقِّ طريقِ الاعترافِ الدبلوماسي والرسمي بهذه الدولة الشقيقة، بأن كانت الجزائرُ أَوَّلَ المعترفين بها وَأَوَّلَ من احتضن على أرضه سفارةً مُمَثِّلَةً لها.
واليوم، وفي خِضَمِّ المآسي المُسَلّطَةِ على فلسطين، يَهْتَدِي المجتمعُ الدولي إلى المسارِ الذي تَمَّ التأسيسُ له هنا، على أرض الجزائر، من أجل إنصافِ الشعب الفلسطيني الأبي وتمكينِه من حقوقه الشرعية والمشروعة. وَمَا زَخَمُ الاعترافاتِ الرسمية بالدولة الفلسطينية إلا إقرارٌ دولي بأن قيام هذه الدولة لا غنىً عنه، ولا مفرَّ منه، ولا بديلَ له، في سبيل إنهاءِ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني واستعادةِ الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
وفي الصحراء الغربية، تواصل الجزائر دعمَ كافة الجهود المُنْضَوِيَةِ تحت لِوَاءِ الأمم المتحدة والهادفة لإيجاد حَلٍّ سياسي عادل، وَحَلٍّ دائم، وَحَلٍّ نهائي لهذا الصراع الذي طال أمده. وأعتقد بكل صدق وإخلاص أن العقودَ الخمسَ الماضية قد أنصفت رَجَاحَةَ وَصَوَابَ وَثَبَاتَ الموقف الجزائري بأن أكدت:
أَنَّ القضيةَ الصحراوية لا يُمكنُ تَسويتُها بالالتفافِ على الشرعية الدولية،
وَأَنَّ القضيةَ الصحراوية لا يُمكنُ حَلُّهَا بتجاهلِ إرادةِ الشعب الصحراوي وحَقِّهِ في تقرير مصيره،
وَأَنَّ القضيةَ الصحراوية لا يُمكنُ مُعالجَتُها أو التعامُلُ معها خارجَ الإطارِ الذي حَدَّدَتْهُ العقيدةُ الأممية الراسخة في مجال تصفية الاستعمار، تصفيةً حقيقيةً وَمُطَابِقَةً لكل مُقتضياتِ هذه العقيدة المتجذرة.
وبذات القدر، نَظَلُّ على يقينٍ تام أن سياسات الأمر الواقع لم تُفْلِحْ، ولن تُفْلِحَ يوماً، في إطفاءِ جَذْوَةِ الحقوق الوطنية الشرعية والمشروعة. فَجَذْوَةُ الحق قد تَخْبُو، لكنها لا تنطفئُ أبداً !
وعلى الصعيد القاري، تشرفت الجزائر، أيما شرف، بالثقة التي نالتها مطلع العام الحالي من لَّدُن أشقائها الأفارقة الذين زَكُّوا مُساهمَتَها في قيادةِ مفوضية الاتحاد الإفريقي وساندوا تَرْشِيحَها لعضويةِ مجلس السلم والأمن التابع لمنظمتنا القارية هذه. والجزائرُ تدرك تمام الإدراك قيمةَ هذه الثقةِ الغالية، وتعي تمامَ الوعي ما تَحْمِلُهُ من مسؤولية لمضاعفة جهودِها من أجل الإسهام، بقدرٍ أوفر، وبجهدٍ أكبر، في تعزيز المسيرة التكاملية والاندماجية للاتحاد الإفريقي، وكذا في الدفع بالأجندة القارية للسلم والأمن والتنمية المستدامة.
كما تشرفت الجزائر بأن احتضنت مؤخراً، بكل تألقٍ وامتياز، الطبعةَ الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، وهي الطبعة التي أماطت اللثام عن المقومات الهائلة للشراكة والتعاون والتكامل بين الدول الإفريقية، في ظل منطقة التجارة الحرة القارية، تجارةً واستثماراً.
في جميع فضاءاتِ انتمائِها الإفريقية والعربية والإسلامية والأورو-متوسطية، وخارجَ فضاءاتِ الانتماءِ هذه، تواصل الجزائر المُضِيَّ في نهجِها الهادف لبناءِ جُسُوٍر من التعاون والشراكة، قِوَامُهَا النفعُ المُتقاسم، وروحُها الاحترامُ المُتَبَادَلُ للسيادة الوطنية، وَمَبْلَغُ مَقَاصِدِهَا إعادةُ التوازنِ المطلوب إلى منظومة العلاقات الدولية.
وراءَ كُلِّ هذه الجهود نساءٌ ورجالٌ وأجيالٌ مُتعاقبة من الدبلوماسياتِ والدبلوماسيين الذين رفعوا رايةَ الجزائر خَفَّاقَةً في المحافل الدولية، وَعَمِلُوا بإخلاصٍ على إعلاءِ كلمتِها وَصَوْنِ مكانَتِها المُسْتَحَقَّةِ بين الأمم.
نطلبُ الرحمةَ لمن أدّى الأمانة وقضى نحبه، ونسألُ التوفيقَ لمن يواصل المسيرةَ بذات العزم والوفاء، خدمةً للجزائر ولدبلوماسيتِها الوطنية الأصيلة.
منذ ثلاثِ أيام خلت، رحل عنّا وعن عَالَمِنَا، أَحَدُ هذه القامات التي تركت بصمةً مُتَمَيِّزَةً، كُلَّ التميز، ورسالةً متألقةً، كُلَّ التألق، وأثراً متفرداً، كُلَّ التفرد، في سجلاتِ الدبلوماسيةِ الجزائرية، وفي سجلاتِ النضالِ الوطني التحرري، وفي سجلاتِ بناءِ وتشييدِ الدولةِ الجزائرية المستقلة والسيدة.
إنه الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، وزير الشؤون الخارجية الأسبق، الذي ستبقى ذَاكِرَتُهُ حَيَّةً فِينَا ما حَيَيْنَا، وسيبقى إرثُهُ الحافلُ والنفيسْ نِبْرَاساً يُهتدى به، ومصدرَ إلهامٍ واقتداءٍ لدى الأجيال المُتَلاَحِقَة من الدبلوماسيات والدبلوماسيين الجزائريين، المُتشبعاتِ والمُتشبعين بالروح الوطنية، والحافظينَ لأمانةِ نوفمبر الخالدة، والمُرافعينَ عنها بكل عزمٍ وحزمٍ وولاءْ، وبكل التزامٍ وإخلاصٍ ووفاءْ.
شكراً على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته."



