
صَدَر بحر الأسبوع الماضي التقرير السنوي لمنظمة "المرصد الدولي لمراقبة الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية" (Western Sahara Resource Watch - WSRW) ببروكسيل، تحت عنوان "P for Plunder 2025"، والذي يتناول بالأرقام تصدير الفوسفات من الصحراء الغربية المحتلة من قبل النظام المغربي، في خرق صارخ للقانون الدولي. ويقدّم التقرير إحصاءات موثّقة تكشف عن الانتهاكات المتواصلة التي يرتكبها النظام المغربي في هذا الإقليم المحتل.
وحسب التقرير، صدّر المغرب خلال سنة 2024 نحو1,45مليون طن من فوسفات الصحراء الغربية، بعائدات مالية قُدّرت بـ319 مليون دولار أمريكي، تذهب بالكامل إلى خزينة الاحتلال المغربي ونخبه الفاسدة.
ويضيف التقرير أن الاحتلال المغربي يستنزف بشكل خطير الموارد غير المتجددة في الصحراء الغربية، في اتجاه يُنذر بنفاذهاونضوبها. كما يؤكد أن المغرب قد استنفذ فعلياً الجزء الأهم والأعلى جودة من فوسفات الإقليم، وهو يعمل حالياً، بدعم من شركات متعددة الجنسيات، على إقامة منشآت وتجهيزات تكنولوجية جديدة في منجم بوكراع لزيادة وتيرة الإنتاج والرفع من القدرة التحويلية واستنزاف أكبر لهذا المورد الحيوي.
من منظور القانون الدولي، تُصنَّف الصحراء الغربية كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، لا يزال في انتظار استكمال مسار تصفية الاستعمار وممارسة شعبه لحقه في تقرير المصير، وذلك في إطار جهود مجلس الأمن وأشغال اللجنة الرابعة(لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار) التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي هذا الإطار، تؤكد القرارات الأممية، لا سيما القرار1314 المورخ في 12 ديسمبر 1958، والقرار1803 المؤرخ في 14 ديسمبر 1962، بالإضافة إلى الرأي القانوني الصادر عن المستشار القانوني للأمم المتحدة بتاريخ 29 يناير 2002، على أن السيادة على ثروات الصحراء الغربية تعود حصرياً للشعب الصحراوي. وقد كرّست هذا المبدأ أيضًا قرارات محكمة العدل الأوروبيةالصادرة بديسمبر 2016، وسبتمبر 2021، وأكتوبر 2024، وكذلك المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في قرارها الصادر بتاريخ 22سبتمبر 2022. وقد شدّدت جميع هذه الهيئات القضائية على عدم شرعية استغلال موارد الإقليم دون موافقة صريحة من الشعب الصحراوي، بوصفه المالك الوحيد للسيادة على ثرواته.
ورغم وضوح هذه النصوص القانونية، التي لا تقبل التأويل، إلا أن عدداً من الدول والشركات لا تزال متورطة في عمليات نهبٍممنهجٍ لموارد الشعب الصحراوي في الأراضي المحتلة، بتواطؤ مباشر أو غير مباشر مع سلطات الاحتلال المغربي، حيث يُظهر التقرير في هذا الشأن انخراط شبكة واسعة من الشركات متعددة الجنسيات في مختلف مراحل عمليتي الاستيراد والتصدير، بدءاً من الاستخراج، مروراً بالتعدين والتصنيع وصولاً إلى الشحنوالنقل البحري.
إضافةً إلى ذلك، يكشف التقرير عن تورط دول وشركات ومكاتب استشارات مع المكتب الشريف للفوسفات(OCP)والنظام المغربي في نهب موارد الصحراء الغربية، حيث تتغاضى هذه الجهات عن عدم قانونية استيراد الفوسفات الصحراوي، وتواصل نشاطها بالتنسيق مع شركات النقل البحري العابرة للحدود.
وفيما يخص مكاتب الاستشارات القانونية، يشير التقرير إلى أنها تُصدر آراء واستشارات قانونية "سرّية" لفائدة الشركات المستوردة، بهدف استخدامها في إبرام العقود و"شرعنة" أنشطتها في استغلال فوسفات الصحراء الغربية.
يؤكد التقرير كذلك، أن سنة 2024 شهدت تسجيلأقل عدد من الشركات المستوردة للفوسفات الصحراوي منذ سنوات، في مؤشر واضح على تزايد عزلة النظام المغربي، بفضل تنامي الوعي الدولي بعدالة القضية الصحراوية، وفاعلية الجهود القانونية والدبلوماسية التي تبذلها جبهة البوليساريو، الممثل القانوني والوحيد للشعب الصحراوي، أمام المحاكم الدولية، وعبر تواصلها مع الحكومات والمنظمات.
ويُعدالقرار الأخير لمحكمة العدل الأوروبية الصادر شهر أكتوبر 2024أبرز دليل على هذا التحول في المواقف الدولية، حيث أعاد تأكيد أن الصحراء الغربية إقليم "منفصل ومختلف" تماماً عن المغرب.
من ناحية أخرى، ينبه التقرير إلى التناقض الصارخ بين الأرباح الضخمة التي يجنيها المغرب وشركاؤه ، والتي تجاوزت سنوات ماضية 655 مليون دولار سنوياًمن الفوسفات الصحراوي، وبين انعدام التنمية والوضع المأساوي الذي يعيشه الصحراويون في الأراضي المحتلة، أين يتعرضون للتمييز والتهميش والتضييق الممنهج.
كما يبرز المرصد في تقريرهظاهرة استخدام النظام المغربي للفوسفات الصحراوي كأداة للضغط والابتزاز السياسي، من خلال استقطاب حكومات وشركات دولية للمشاركة في استيراده، وبالتالي التورط في دعم الاحتلال وانتهاكاته المتواصلة ضد حقوق الشعب الصحراوي.
ختاماً، إنما يقوم به المغرب مننهبٍ ممنهجٍ ومستمر لموارد الصحراء الغربية المحتلّة،خارج أيإطار قانوني وبدون موافقة الشعب الصحراوي ،يشكّل شكلاً من أشكال الإرهاب الذي يُمارس ضد شعب أعزل تحت الاحتلال. هذا الاستغلال غير المشروع للثروات الطبيعية لايمثل فقط خرقاً صارخاً للقانون الدولي وقرارات المحاكم الإقليمية والدولية، بل يُعدّ أيضاً تهديداً مباشراً للسلم والاستقرار في المنطقة. وأمام هذا الوضع الخطير، يؤكد ناشطون وحقوقيون أن الصمت الدولي لم يعد مقبولاً، فالوضع الراهن يستدعي تحركاً عاجلاً وواسعاً، قانونياً وسياسياً، من قبل الأمم المتحدة والدول والمنظمات الدولية، لوقف هذا الإرهاب الاقتصادي الذي يمارسه النظام المغربي، ومحاسبةالمتورطين فيه،وضمان تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة سيادته الكاملة على موارده وأرضه.


